الاقمار الصناعيه 



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


“على الإنسان أن يعلو فوق الأرض لنهاية الغلاف الجوي وما بعده، وقتها فقط سيتفهم طبيعة العالم الذي يعيش به”
قدم سقراط الملاحظة ده قبل قرون عديدة من نجاح الإنسان في وضع أول الأجسام الصناعية بالفضاء، حتى لو ماكنش عنده أي فكرة عن كيفية تنفيذها وقتها، وكل الإشارات والتنبؤات أو التخيلات اللاحقة عن وضع أي أجسام بالفضاء ما اصطحبهاش أي دليل علمي عن واقعية الفكرة وكيفية تنفيذها، كلها كانت أشعار وخيالات علمية على أقصى تقدير، إلى أن نشر إسحاق نيوتن سنة ١٧٢٩ تجربته الفكرية المعروفة باسم كرة نيوتن المدفعية. وافترض نيوتن في نظريته ان قوة الجاذبية هي قوة كونية وهي العامل الرئيسي في حركة الكواكب، والتجربة اللي قدمها ببساطة لطرح فكرته كانت بتقول اننا لو تصورنا مدفع على قمة جبل عالي وأطلقنا منه النيران بصورة أفقية، وقتها الكرة المدفعية هتنطلق بشكل موازي لسطح الأرض لفترة وجيزة قبل ما تستسلم للجاذبية وتقع في النهاية على الأرض، طيب ايه اللي هيحصل لو استمرينا في إضافة البارود للمدفع؟ هتنطلق الكرة بقوة أكبر وهتسافر لمسافة أبعد قبل ما تقع، ولو عرفت القدر المناسب من البارود اللي محتاج تضيفه للمدفع والسرعة المناسبة اللي محتاج الكرة المدفعية تتحرك بيها، هتستمر الكرة في الإنطلاق والحركة حوالين كوكب الأرض بالكامل، ولولا جاذبية الأرض كانت استمرت الكرة في حركتها في نفس الإتجاه بعيداً عن الأرض، وكانت فكرة نيوتن هي الخطوة الأولى على صعيد التوصل لكيفية وضع الأقمار الصناعية في الفضاء، حتى ولو كانت بعد أكتر من ٢٠٠ سنة..

ازاي بيتم إطلاق الأقمار الصناعية؟ وازاي بتستمر في دورانها حوالين الأرض اعتماداً على ما سبق؟

______________________________________________________________________________






بيسافر القمر الصناعي للفضاء على متن صواريخ حاملة، وبينطلق الصاروخ في شكل عمودي لمسافة محددة قبل ما ينحني بشكل يخليه تقريباً موازي لسطح الأرض، والفكرة هنا لنجاح إطلاق القمر الصناعي معتمد على العثور على التوازن اللازم بين جاذبية الأرض وبين سرعة حركة القمر الصناعي، لأن جاذبية الأرض بتسحب القمر ناحيتها في الوقت اللي القمر منطلق فيه بسرعته للأمام، وحفاظ القمر على إرتفاعه المناسب مرتبط بسرعته المدارية، أو سرعة حركته أثناء سيره في المدار، لو اتحرك القمر الصناعي بسرعة كبيرة أوي هيهرب من جاذبية الأرض وهيطير في الفضاء بعيداً عنها، ولو اتحرك ببطئ عن السرعة المناسبة هيتسحب بفعل الجاذبية وهيرجع للأرض قطع صغيرة باحتراقه مع دخوله الغلاف الجوي مرة تانية، ولأن تحديد السرعة هنا مرتبط بمدى قرب المدار من الأرض، فتم تحديد ٣ أنماط رئيسية من المدارات والسرعات المناسبة للأجسام في كل مدار حسب ارتفاعه عن الأرض، المدارات الأرضية المنخفضة والمتوسطة والمرتفعة، كل تصنيف منهم ليه خصائص محددة وبيناسب أنواع معينة من الأقمار الصناعية، المدارات الأرضية المنخفضة هي اللي بتقع على ارتفاع من ١٥٠ لـ ٢٠٠٠ كم، وهي أقرب المدارات للأرض وطبعاً كل ما كان القمر الصناعي قريب من الأرض كل ما زاد تأثير قوة الجاذبية عليه وتسحبه مرة تانية للأرض، عشان كده بتحتاج انها تتحرك بسرعات كبيرة جداً على عكس الأقمار الأبعد، على سبيل المثال لو القمر موجود على ارتفاع ٣٠٠ كم لازم يتحرك بسرعة ما تقلش عن ٢٨ ألف كم في الساعة، أما الأقمار اللي بتوجد على ارتفاع ١٠٠٠ كم بيكفيها انها تتحرك بسرعة ٢٥ ألف كم في الساعة عشان تحافظ على مدارها، ومع سرعتها الكبيرة وكونها بتدور في مدارات صغيرة باعتبارها قريبة من الأرض، فبتغطي الأقمار في المدارات المنخفضة مناطق كبيرة على الكوكب بسرعة، وما بتثبتش فوق مكان بعينه لمدة طويلة، والمدارات الأرضية المنخفضة تعتبر الأنسب للأقمار الصناعية العلمية اللي بتعتمد على جمع معلومات متعددة لمواقع مختلفة بشكل سريع، ومع نهاية المدارات المنخفضة على ارتفاع ٢٠٠٠ كم بتبدأ المدارات المتوسطة وصولاً لارتفاع ٣٥ ألف كم من الأرض، وهنا بنلاقي ان كل ما ارتفع القمر الصناعي بعيداً عن الأرض كل ما أمضى وقت أطول فوق مناطق من الكوكب، وهي أنسب المدارات للأقمار الصناعية الملاحية زي أقمار GPS navstar الموجودة على ارتفاع ٢٠ كم فوق سطح الأرض، والتصنيف التالت من المدارات هي المدارات الأرضية المرتفعة أو المدارات الأرضية الثابت، والمدارات ده بتوفر ميزة كبيرة للأقمار الصناعية، لأن الأقمار بتتبع فيها نفس اتجاه دوران الأرض، ومن هنا يقدر انه يركز على منطقة بعينها طول الوقت، وهيظهر كأنه ثابت للمراصد الأرضية، عشان كده يعتبر هو أنسب المدارات لأقمار الإتصالات اللي بتوصل الإشارات المنعكسة منها للأطباق اللاقطة المصوبة على الأرض، لأن ببساطة لو أقمار الإتصالات موجودة في المدار الأرضي المنخفض مش هنلقط أي إشارة إلا لثواني معدودة كل فترة.


وبتتنوع الأقمار الصناعية في أحجامها وأشكالها واستخداماتها لكن المكونات الأساسية بتتضمن بطاريات طاقة شمسية وأجهزة استقبال وإرسال وأجهزة قياس وتصوير ومسح علمي، بالإضافة لمحركات تحكم لحفاظ القمر الصناعي على مداره وارتفاعه، بجانب ألواح شمسية بيتم فردها عن طريق دعمات بعد استقرار القمر الصناعي في مداره، ومن الامثلة على استخدامات الأقمار الصناعية هنلاقي عندنا أقمار الأرصاد الجوية واللي بتساعد على رصد حالة الطقس على الأرض بصورة مستمرة، وجمع البيانات والقياسات المختلفة للتنبؤ بحالة الطقس وبيمتاز النوع ده من الأقمار الصناعية بأجهزة استشعار وكاميرات وأجهزة قياس تساعد على رصد المتغيرات الجوية أول بأول، وبعضها بيتم وضعه في المدارات الأرضية المنخفضة وبعضها في المدارات الجغرافية الثابتة عشان تركز على نقاط محددة على الأرض، ومن أهم أنواع الأقمار الصناعية في الفضاء هي أقمار الإتصالات واللي بتعتمد بشكل أساسي على إعادة بث الموجات اللاسلكية الواردة إليها، بتتلقى الإشارات من محطات أرضية وتقوم بتضخيمها وعكسها مرة تانية لمكان مختلف على الأرض، يعني القمر الصناعي بيستقبل الإشارة على تردد معين ويعززها فتبقى أقوى ويرجع يرسلها مرة تانية على تردد مختلف، والإشارات ده بتنقل الإتصالات الهاتفية وبيانات الإنترنت والبث الإذاعي والتليفزيوني، وفيه أقمار صناعية عسكرية لكن دايماً ما بتكون المعلومات المتوفرة عنها قليلة، وغالباً ما بتعتمد النوعية ده من الأقمار على تطبيقات متعلقة بعمليات الإتصالات المشفرة والمراقبة والتنصت والتقاط الصور الفوتوغرافية لمناطق بعينها والتصوير بالردار ورصد تحركات العدو، وحالياً أصبحت الأقمار الصناعية العسكرية سلاح مهم ورئيسي في رصد الأهداف العسكرية ومتابعتها والقضاء عليها وتوفير غطاء ناجح للقوات في مناطق الصراعات العسكرية.
طيب ايه مصير الأقمار الصناعية بعد نهاية عمرها؟


حتى مع التوازن المطلوب اللي استطاعت البشرية توصله للحفاظ على الأجسام الصناعية في مداراتها حوالين الأرض، فجميع الأجسام الصناعية بتواجه مشكلة دائمة في الحفاظ على إرتفاعها المناسب، والسبب في كده ما يسمى بالإنحلال أو التدهور المداري orbital decay، وهو الامر الناتج غالباً عن المقاومة اللي بيتسبب فيها الغلاف الجوي نتيجة الإصطدامات المتكررة بين جزيئات الغازات بداخله، وكل الأجسام الصناعية اللي بتدور حوالين الأرض قريبة بالشكل الكافي اللي يخليها تتأثر بعملية السحب بنسب متفاوتة، محطة الفضاء الدولية على سبيل المثال بتدور حوالين الأرض على ارتفاع ٤٠٠ كم تقريباً، وبتخسر يومياً ما يقرب من ٩٠ متر من ارتفاعها، وبتحاول تعوض الرقم ده عن طريق تشغيل اتنين من محركاتها بشكل دوري بتعزز بيهم ارتفاعها المناسب مرة تانية، بجانب انه مع كل مرة بيوصلها سفينة إمدادات بتديها دفعة بسيطة لإرتفاع أعلى بعض الشئ وتزود من عمرها المداري شوية، ومدى الإرتفاع اللي بتخسره المحطة يومياً بيحصل على ارتفاع ٤٠٠ كم، فما بالك ان كان الجسم الصناعي على ارتفاع ٣٠٠ أو ٢٠٠ كم، مع العلم ان الغلاف الجوي بيكون أكثر كثافة على الارتفاعات القليلة يعني عملية المقاومة وخسارة الأجسام لارتفاعها بتكون أكبر وأسرع، وهو ده السبب ورا سقوط أول محطة فضاء أمريكية والمعروفة باسم Skylab في سبعينيات القرن الماضي، وفي الغالب فكل الأجسام الصناعية هتواجه نفس المصير في النهاية وهتستمر في فقدان ارتفاعها بمرور الوقت لغاية ما ترجع للأرض مرة تانية، الأقمار الصناعية القريبة من الأرض بترجع بعد نهاية عمرها في غضون سنوات معدودة، والأعلى منها في الإرتفاع بتستمر لعقود أو حتى أكتر من ١٠٠ سنة قبل رجوعها مرة تانية للأرض، وكله في الغالب بينزل قطع صغيرة مع تدميره واحتراقه أثناء رحلة عودته للأرض، وأحياناً في نهاية عمر الأقمار أو خروجها على الخدمة بيتم إخراجها من مدارتها عن عمد وإعادتها للأرض مرة تانية، ولو القمر الصناعي عنده ما يكفي من وقود لحفاظه على مداره لمدة ٣ شهور لقدام، بيستخدموه لدفعه إلى أعلى لما يقرب من ٣٠٠ كم من مداره، ويبتعد بدوره من سكة الأقمار الصناعية الأخرى الفعالة، والمكان اللي بيدفعوا فيه الأقمار الصناعية اللي خرجت من الخدمة أو طلعت على المعاش، بيطلق عليه مدار الجبانة أو النفايات graveyard orbit، ممكن تعتبره مدفن للقمامة في الفضاء، يخلص الإنسان استفادته من القمر ويرميه في المدار، المشكلة اننا بالفعل بنعاني من خطر النفايات الفضائيه، وفي حالة تصادم الأقمار المدفونة في مدار الجبانة هندخل في مصيبة متلازمة كيسلر، وكل تصادم هيحصل هيخلف قطع صغيرة متناثرة تتسبب بدورها في تصادمات أخرى وتزداد أعداد النفايات الفضائية في المدار لغاية ما تسيطر عليه تماماً، وتقتل أي فرصة لينا لاستكشاف الفضاء بالمرة.


hussein yasser
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع AL-Dahih 3 .

جديد قسم : معلومات عامه